تقارير و مقالات

حين يغادرك الحماس.. عن فقدان الشغف وصراعات النفس الخفية

فقدان الشغف علامة تستدعي الانتباه لتدارك الصحة النفسية.

هل استيقظت يوماً دون رغبة في النهوض؟، دون هدف يدفعك أو شغف يوقظ روحك؟، وكأن كل ما كنت تحب فعله بالأمس، بات عبئاً لا يُطاق اليوم؟.

لست وحدك… إنها لحظة صامتة، لكنها صاخبة من الداخل، حين يفقد الإنسان شغفه، فيبدأ كل شيء بالتلاشي تدريجياً.

ما هو الشغف؟ ولماذا نفقده؟

الشغف ليس مجرد اهتمام، بل هو نار داخلية تُضيء الدرب، و تدفعنا إلى المثابرة، و تحول التعب إلى متعة و السعي إلى إنجاز.

الشغف هو المحرك الأساسي للطموحات، و هو الوقود الذي يغذي الإبداع، و يمنح الحياة مذاقاً خاصاً.

لكن، ماذا يحدث عندما ينطفئ هذا الحماس؟، حين نصحو صباحاً و لا نشعر بالدافع للعمل، أو الدراسة أو المواصلة في علاقة، نفقد اللذة في الأنشطة التي كانت تملأ أرواحنا بالفرح؟، فقدان الشغف ليس مجرد حالة مزاجية عابرة، بل قد يكون مؤشراً عميقاً على اضطرابات داخلية نفسية أو اجتماعية تستحق التأمل و التعامل الجاد.

ما الذي يسبب فقدان الشغف؟

  1. الضغط النفسي المزمن.

الاستغراق المستمر في علاقة عاطفية سالبة ، العمل، الدراسة كثرة المهام، أو الانخراط في بيئة تفتقر إلى التقدير، قد تُنهك الإنسان نفسياً، فيبدأ بفقدان الاتصال الداخلي مع ذاته. ومع الوقت، يتحول الشغف إلى واجب مرهق لا يُلبي حاجة نفسية.

  1. الروتين القاتل
    عندما تتحول الحياة إلى سلسلة من التكرارات الخالية من التجديد، يذبل الحماس؛ فالعقل البشري بطبعه يتوق إلى التنوع و التحديات، و أي انقطاع عن هذا الإيقاع قد يؤدي إلى فتورٍ في الشعور بالشغف.
  2. غياب التوازن بين الحياة والذات.

عندما يطغى جانب واحد من الحياة على حساب الجوانب الأخرى (كالعمل على حساب العلاقات أو الصحة أو الهوايات)، يبدأ الإشباع العاطفي و النفسي بالتراجع، فتبهت الألوان التي كانت تُزين الحياة اليومية.

  1. صراعات الهوية والذات

في مراحل مختلفة من حياتنا، نعيد طرح أسئلة من قبيل: “من أنا؟”، “ماذا أريد فعلاً؟”، أحياناً نكتشف أننا كنا نركض وراء أهداف لا تعنينا بصدق، فتصدمنا الحقيقة، و نفقد ارتباطنا بما كنا نظنه شغفاً.

  1. الاكتئاب و اضطرابات الصحة النفسية

فقدان الشغف أحد أبرز أعراض الاكتئاب. في هذه الحالة، لا يكون السبب خارجياً فحسب، بل يتعلق بكيمياء الدماغ و الهرمونات و تنظيم المشاعر، و قد لا يستطيع الشخص إدراك ما يمر به إلا بمساعدة مختص نفسي.

فقدان الشغف و صراعات النفس الخفية
من الممكن جعل فقدان الشغف محطة للانطلاق
فقدان الشغف و صراعات النفس الخفية
من الممكن جعل فقدان الشغف محطة للانطلاق

فقدان الشغف… ليس نهاية المطاف


قد يبدو الأمر محبطاً، لكنه لا يعني النهاية.

فقدان الشغف مرحلة، لا هوية دائمة، في كثير من الأحيان، يكون انطفاء الحماس إشارة على حاجة النفس إلى إعادة ترتيب، إلى توقف و تأمل، لا إلى انسحاب كامل.

العودة إلى الشغف: كيف نُشعل النار من جديد؟

  1. التوقف المؤقت و إعادة التقييم
    خذ خطوة إلى الوراء. لا تحكم على نفسك، بل راقب ما يحدث داخلك. اسأل نفسك:
  • هل ما أفعله الآن يُشبعني؟.
  • هل هناك فجوة بين ما أريده وما أعيشه؟.
  • هل أعيش حياة تناسب قيمي الداخلية؟.

2. جرب شيئا جديدا

أحياناً لا يعود الشغف القديم، و لكن يولد شغف جديد، التجربة تفتح الأبواب لطاقات جديدة، ربما في مجالات لم تكن تخطر لك من قبل.

  1. استعن بالرفقة الداعمة.

الأشخاص الإيجابيون، المتفهمون، الملهمون، يمكنهم أن يكونوا عوناً كبيراً في الأوقات التي نفتقد فيها الرؤية لأنفسنا.

اختر من تُحيط نفسك بهم بعناية، فهم يؤثرون أكثر مما تتخيل.

  1. العناية بالصحة النفسية و الجسدية
    الغذاء، النوم، التمارين، التأمل، و التنفس العميق، كلها مفاتيح بسيطة و لكنها فعالة لإعادة التوازن، لا يمكن أن ينمو الشغف في جسد مرهق أو عقل مشتت.
  2. الحديث مع مختص نفسي
    إذا طال فقدان الشغف، أو ترافق مع أعراض كالحزن، فقدان الوزن أو الشهية، اضطرابات النوم، أو الشعور بالفراغ، فقد يكون من الضروري اللجوء إلى اختصاصي نفسي لتقديم الدعم المهني المناسب.
فقدان الشغف و صراعات النفس الخفية
الشغف عنوان لتحقيق المرامي و الصحة النفسية الجيدة
فقدان الشغف و صراعات النفس الخفية
الشغف عنوان لتحقيق المرامي و الصحة النفسية الجيدة

حين يكون فقدان الشغف علامة على التغيير و ليس الضعف
ليس كل فقدان للشغف حالة يجب علاجها، بل أحياناً يكون رسالة غير مباشرة بأن وقت التغيير قد حان، ربما نمونا الداخلي تجاوز شخص أو المكان الذي نحن فيه، و أصبحنا بحاجة إلى انتقال جديد، إلى تحدٍّ أعمق، أو طريق أكثر اتساقاً مع ما أصبحنا عليه.

ختاماً النور لا ينطفئ… بل قد يخفت ليعود أقوى،
فقدان الشغف ليس فشلاً، بل هو صوت داخلي يناديك لتعود إلى ذاتك.

قد يبدو الطريق مظلماً، و لكن في كل ظلام فرصة للبحث عن نور جديد، وربما أجمل مما سبق.
لا تخف من التوقف، ولا تتردد في البدء من جديد؛ ففي أعماق كل خيبة، قد يختبئ حلم ينتظر أن يُولد من رماد التجربة.

و تذكّر دائماً عزيزي القارئ أن الحياة ليست سباقاً مستمراً، بل مسارا من التجارب و المراجعات و اللحظات العميقة التي تُعيدك إلى حقيقتك، حين يختفي الزيف، و يعود النور من الداخل.

بقلم 🖋
أبي عادل القاسم الجاك
اختصاصي و معالج نفسي.
رقم العيادة الاونلاين واتساب
00249116071234

أسبالتا

شبكة أسبالتا الإخبارية (Aspalta News)، منصتكم الأولى لمتابعة آخر أخبار السودان اليوم على مدار الساعة. نقدم تغطية شاملة وموثوقة للأحداث السياسية، الاقتصادية، الرياضية، والثقافية، بالإضافة إلى تقارير حصرية وتحليلات معمّقة تساعدكم على فهم المشهد السوداني والعالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى